فصل: فَصْلٌ (فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

المتن

هِيَ أَرْبَعَةٌ‏:‏

الشرحُ

بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا هُنَا الْأَصْغَرُ غَالِبًا، وَالْأَسْبَابُ جَمْعُ سَبَبٍ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْبَابِ، وَالْحَدَثِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا الْأَسْبَابُ نَفْسُهَا، وَلَكِنَّ إضَافَتَهَا إلَيْهِ تَقْتَضِي تَفْسِيرَ الْحَدَثِ بِغَيْرِ الْأَسْبَابِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ مُخْتَصَّانِ بِهَا، وَأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِغَسْلِهِ فِي الْمَغْسُولِ وَبِمَسْحِهِ فِي الْمَمْسُوحِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِذَلِكَ الْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَطَهِّرًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ ‏[‏الْوَاقِعَةُ‏]‏ وَتَعْبِيرُهُ كَالْمُحَرَّرِ بِالْأَسْبَابِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُقَالُ‏:‏ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ، بَلْ انْتَهَى كَمَا يُقَالُ انْتَهَى الصَّوْمُ لَا بَطَلَ‏.‏ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنَّقْضِ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ نُقِضَ وَيُؤَوَّلُ بِمَعْنَى انْتَهَى الطُّهْرُ بِهِ‏.‏ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا بَوَّبَ الْمُصَنِّفُونَ فِي كُلِّ فَنٍّ مِنْ كُتُبِهِمْ أَبْوَابًا مُوَشَّحَةَ الصُّدُورِ بِالتَّرَاجِمِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ إذَا خَتَمَ بَابًا مِنْ كِتَابٍ ثُمَّ أَخَذَ فِي آخَرَ كَانَ أَنْشَطَ لَهُ وَأَبْعَثَ عَلَى الدَّرْسِ وَالتَّحْصِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكِتَابِ بِطُولِهِ، وَمِثْلُهُ الْمُسَافِرُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَطَعَ مِيلًا أَوْ طَوَى فَرْسَخًا نَفَّسَ ذَلِكَ عَنْهُ وَنَشِطَ لِلْمَسِيرِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ سُوَرًا وَجَزَّأَهُ الْقُرَّاءُ عُشُورًا وَأَسْبَاعًا وَأَخْمَاسًا وَأَحْزَابًا، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ هَذَا الْبَابَ عَلَى الْوُضُوءِ كَمَا قَدَّمَ مُوجِبَ الْغُسْلِ عَلَى الْغُسْلِ، وَهُوَ تَرْتِيبٌ طَبِيعِيٌّ، وَخَالَفَ فِي الرَّوْضَةِ فَقَدَّمَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُقَدِّمْ الْغُسْلَ عَلَى مُوجِبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ مُحْدِثًا فَيَعْرِفُ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ، وَلَا يُولَدُ جُنُبًا فَقَدَّمَ مُوجِبَ الْغُسْلِ عَلَيْهِ ‏(‏هِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَسْبَابُ ‏(‏أَرْبَعَةٌ‏)‏ ثَابِتَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ، وَعِلَّةُ النَّقْضِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ، وَلَا بِمَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَخِيرَ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ‏.‏ ثُمَّ أَجَابَ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ‏:‏ أَقْرَبُ مَا يَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ، وَمِمَّا يُضْعِفُ النَّقْضَ بِهِ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يُعَدِّيهِ إلَى شَحْمِهِ وَسَنَامِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهَا تَنْقُضُ فَضَعِيفٌ، وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ‏(‏أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ بِسَهْمٍ فَنَزَعَهُ وَصَلَّى، وَدَمُهُ يَجْرِي وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ‏)‏، وَأَمَّا صَلَاتُهُ مَعَ الدَّمِ فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ، وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ سَبَبًا لِلْحَدَثِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ‏.‏ وَلَا بِنَزْعِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ

المتن

أَحَدُهَا‏:‏ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ، أَوْ دُبُرِهِ إلَّا الْمَنِيَّ، وَلَوْ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ تَحْتَ مَعِدَتِهِ فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ نَقَضَ وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ فَوْقَهَا، وَهُوَ مُنْسَدٌّ، أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ

الشرحُ

‏(‏أَحَدُهَا‏)‏ أَيْ الْأَسْبَابِ ‏(‏خُرُوجُ شَيْءٍ‏)‏ عَيْنًا كَانَ أَوْ رِيحًا، طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، جَافًّا أَوْ رَطْبًا، مُعْتَادًا كَبَوْلٍ أَوْ نَادِرًا كَدَمٍ انْفَصَلَ أَوْ لَا، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ‏(‏مِنْ قُبُلِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ الْوَاضِحِ، وَلَوْ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ أَوْ أَحَدِ ذَكَرَيْنِ يَبُولُ بِهِمَا، أَوْ أَحَدِ فَرْجَيْنِ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحِيضُ بِالْآخَرِ، فَإِنْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا أَوْ حَاضَ بِهِ فَقَطْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ‏.‏ أَمَّا الْمُشْكِلُ فَإِنْ خَرَجَ الْخَارِجُ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا فَهُوَ مُحْدِثٌ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ ‏(‏دُبُرِهِ‏)‏ أَيْ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَةُ‏]‏ الْآيَةَ، وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجِ لِلْمُجَاوَرَةِ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ‏:‏ وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا تَعَالَى عَنْهُمَا تَقْدِيرُهَا‏:‏ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ عَلَى سَفَرٍ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَةُ‏]‏، فَيُقَالُ عَقِبَهُ‏:‏ ‏(‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا‏)‏ قَالَ‏:‏ وَزَيْدٌ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدَّرَهَا تَوْقِيفًا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ وَلَا قَائِلَ بِهِ ا هـ‏.‏ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الَّذِي‏:‏ ‏(‏يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ‏)‏ وَفِيهِمَا اشْتَكَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا‏)‏‏.‏ وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهِ لَا سَمْعُهُ، وَلَا شَمُّهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ النَّاقِضِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ، بَلْ نَفَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ، وَيُقَاسُ بِمَا فِي الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كُلُّ خَارِجٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ كَعُودٍ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالسَّبِيلَيْنِ؛ إذْ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ مَخَارِجَ اثْنَانِ مِنْ قُبُلِهَا وَوَاحِدٌ مِنْ دُبُرِهَا، وَلِشُمُولِهِ مَا لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ‏(‏إلَّا الْمَنِيَّ‏)‏ أَيْ مَنِيَّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجَ مِنْهُ أَوَّلًا كَأَنْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ احْتِلَامٍ مُمَكِّنًا مَقْعَدُهُ فَلَا يُنْقَضُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْغُسْلَ بِخُصُوصِهِ‏:‏ أَيْ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ مَنِيًّا فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا، وَهُوَ الْوُضُوءُ بِعُمُومِهِ‏:‏ أَيْ بِعُمُومِ كَوْنِهِ خَارِجًا كَزِنَا الْمُحْصَنِ لِمَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ لِكَوْنِهِ زِنَا الْمُحْصَنِ فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مَعَ إيجَابِهِمَا الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ فَلَا يُجَامِعَانِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ يُصْبِحُ مَعَهُ الْوُضُوءُ فِي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ فَيُجَامِعُهُ، وَفَائِدَةُ عَدَمِ النَّقْضِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ فَاغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ، فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ فَهَاهُنَا تَصِحُّ قَطْعًا، وَفِيمَا إذَا فَعَلَ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، فَإِنْ قُلْنَا‏:‏ يُنْقَضُ نَوَى بِالْوُضُوءِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَإِلَّا نَوَى سُنَّةَ الْغُسْلِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ‏.‏ أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ أَوْ مَنِيُّهُ إذَا عَادَ فَيَنْتَقِضُ خُرُوجُهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، نَعَمْ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا كَمَا فِي فَتَاوَى شَيْخِي أَخَذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفُ‏:‏ إنَّ صَوْمَهَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَنِيِّهِ وَمَنِيِّ غَيْرِهَا ‏(‏وَلَوْ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ‏)‏ أَيْ الْأَصْلِيُّ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ ‏(‏وَانْفَتَحَ‏)‏ مَخْرَجٌ بَدَلَهُ ‏(‏تَحْتَ مَعِدَتِهِ‏)‏ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَفْصَحِ‏:‏ مُسْتَقَرُّ الطَّعَامِ‏.‏ وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ كَمَا قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ وَالْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ هَذَا حَقِيقَتُهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا السُّرَّةُ ‏(‏فَخَرَجَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏الْمُعْتَادُ‏)‏ خُرُوجُهُ كَبَوْلٍ ‏(‏نَقَضَ‏)‏؛ إذْ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَخْرَجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ فَأُقِيمَ هَذَا مَقَامَهُ ‏(‏وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ‏)‏ وَدَمٍ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ، وَكَمَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ النَّادِرُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا، وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي خُرُوجِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِاشْتِرَاطِ انْسِدَادِهِمَا، وَقَالَ‏:‏ لَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْبَاقِي لَا غَيْرُ ‏(‏أَوْ‏)‏ انْفَتَحَ ‏(‏فَوْقَهَا‏)‏ أَيْ الْمَعِدَةِ، وَالْمُرَادُ فَوْقَ تَحْتِهَا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَوْ فَوْقَهُ‏:‏ أَيْ فَوْقَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ حَتَّى تَدْخُلَ هِيَ بِأَنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ أَوْ بِمُحَاذِيهَا أَوْ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْأَصْلِيُّ ‏(‏مُنْسَدٌّ أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا‏)‏ يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَوْقِ الْمَعِدَةِ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ مُحَاذِيهَا لَا يَكُونُ مِمَّا أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا تُحِيلُهُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ فَهُوَ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِ الْحَادِثِ مَخْرَجًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ فِيهِمَا وَلَوْ نَادِرًا‏.‏ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَخْرَجٍ‏.‏ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ كَالْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَحَيْثُ أَقَمْنَا الْمُنْفَتِحَ كَالْأَصْلِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ، وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ فَوْقَ الْعَوْرَةِ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ هَذَا مِنْ الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ‏.‏ أَمَّا الْخِلْقِيُّ فَيَنْقُضُ مَعَهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا وَالْمُنْسَدُّ حِينَئِذٍ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ، وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ وَالْإِيلَاجِ فِيهِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ، وَقَالَ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ‏:‏ إنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالِانْسِدَادِ يُشْعِرُ بِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ا هـ‏.‏ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لِلْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا حَتَّى يَجِبَ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَالْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ وَالْإِيلَاجِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِمَّا يَرُدُّ الِاسْتِبْعَادَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرٌ فَوْقَ سُرَّتِهِ يَبُولُ مِنْهُ وَيُجَامِعُ بِهِ، وَلَا ذَكَرَ لَهُ سِوَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّا نُدِيرُ الْأَحْكَامَ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ إنَّا نَجْعَلُ لَهُ حُكْمَ النَّقْضِ فَقَطْ، وَلَا حُكْمَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ‏:‏ انْفَتَحَ مَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَنَافِذِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْفَمِ وَالْأُذُنِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ‏.‏

المتن

الثَّانِي‏:‏ زَوَالُ الْعَقْلِ‏.‏ إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الثَّانِي زَوَالُ الْعَقْلِ‏)‏ أَيْ‏:‏ التَّمْيِيزِ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ وَجُنُونٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ‏)‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَهُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ‏:‏ حَلْقَةُ الدُّبُرِ، وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ‏:‏ الْخَيْطُ الَّذِي يَرْبِطُ بِهِ الشَّيْءَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَقِظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ، وَلَا يَشْعُرُ بِهِ، وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ الْخَبَرُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ فَكَيْفَ عُدِلَ عَنْهُ، وَقِيلَ بِالنَّقْضِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِمَا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى احْتِمَالِ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الْقُبُلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَخَرَجَ بِزَوَالِ التَّمْيِيزِ النُّعَاسُ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَأَوَائِلُ نَشْوَةِ السُّكْرِ فَلَا نَقْضَ بِهَا‏.‏ وَمِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا، وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ أَوْ نَعَسَ أَوْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ لَا لَمْ يَنْتَقِضْ، وَلَوْ تَيَقَّنَ الرُّؤْيَا، وَشَكَّ فِي النَّوْمِ انْتَقَضَ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِهِ‏.‏ وَالْعَقْلُ لُغَةً‏:‏ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ، وَلِذَا قِيلَ‏:‏ إنَّ الْعَقْلَ لَا يُعْطَى لِكَافِرٍ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ لَآمَنَ‏.‏ إنَّمَا يُعْطَى الذِّهْنَ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ ‏(‏أَنَّ رَجُلًا قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْقَلَ فُلَانًا النَّصْرَانِيَّ، فَقَالَ‏:‏ مَهْ إنَّ الْكَافِرَ لَا عَقْلَ لَهُ أَمَا سَمِعْتَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا‏:‏ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوَ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏ الْمُلْكُ‏.‏ وَأَجَابَ الْجُمْهُورِ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْعَقْلِ النَّافِعِ‏.‏ وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ‏:‏ إنَّهُ صِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ آلَةُ التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ هُوَ غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، وَقِيلَ‏:‏ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّهُ فِي الْقَلْبِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْأَطِبَّاءِ‏:‏ إنَّهُ فِي الدِّمَاغِ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ ‏(‏إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ‏)‏ أَيْ أَلْيَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ زَالَ لَسَقَطَ لِأَمْنِ خُرُوجِ شَيْءٍ حِينَئِذٍ مِنْ دُبُرِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ قُبُلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا بِالْمُنْفَتِحِ النَّاقِضِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهِ، وَلِقَوْلِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد يَنَامُونَ حَتَّى تَخْفُقَ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ، وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ‏.‏ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ، أَنَّ النَّحِيفَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْحَقُّ، وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى نَحِيفٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَقَرِّهِ وَمَقْعَدِهِ تَجَافٍ، وَالشَّرْحُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ لَكِنَّ عِبَارَةَ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بَيْنَ بَعْضِ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ فَيَكُونُ الْفَرْقُ التَّجَافِيَ الْكَامِلَ، وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَكَذَا لَوْ تَحَفَّظَ بِخِرْقَةٍ وَنَامَ غَيْرَ قَاعِدٍ، وَلَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا فَسَقَطَتْ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْتَقِضْ مَا لَمْ تَزُلْ أَلْيَتُهُ عَنْ التَّمَكُّنِ‏.‏ وَمِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ مُتَمَكِّنًا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَخَرَجَ بِالنَّوْمِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِهِ مُطْلَقًا‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ لِجُنُونٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ، وَالْإِغْمَاءُ يَغْمُرُهُ، وَالنَّوْمُ يَسْتُرُهُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْعَقْلِ لِيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا لَكَانَ أَحْسَنَ، وَيَنْدَفِعُ ذَلِكَ بِمَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ

المتن

الثَّالِثُ الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَّا مَحْرَمًا فِي الْأَظْهَرِ، وَالْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ وَشَعَرٌ، وَسِنٌّ وَظُفْرٌ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏الثَّالِثُ الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَةُ‏]‏ أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ فَعَطَفَ اللَّمْسَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الْأَمْرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَدَثٌ كَالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ، لَا جَامَعْتُمْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ‏}‏ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏لَعَلَّكَ لَمَسْت‏)‏ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ يَكُونَ الذَّكَرُ مَمْسُوحًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، أَوْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ حُرَّةً أَوْ رَقِيقَةً، أَوْ الْعُضْوُ زَائِدًا أَوْ أَصْلِيًّا، سَلِيمَا أَوْ أَشَلَّ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا لَكِنْ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَيِّتِ أَوَّلًا، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي صُوَرِ الِالْتِقَاءِ فَأُلْحِقَ بِهِ، بِخِلَافِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَاللَّمْسُ يُثِيرُهَا بِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ، وَفِي مَعْنَاهَا اللَّحْمُ كَلَحْمِ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَاللِّثَةِ وَبَاطِنِ الْعَيْنِ، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْبَشَرَةِ حَائِلٌ وَلَوْ رَقِيقًا‏.‏ نَعَمْ لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ عَلَى الْبَشَرَةِ مِنْ الْعَرَقِ فَإِنَّ لَمْسَهُ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْبَدَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غُبَارٍ، وَالسِّنُّ وَالشَّعْرُ وَالظُّفْرُ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الرَّجُلَانِ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْخُنْثَيَانِ وَالْخُنْثَى مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا، وَلِاحْتِمَالِ التَّوَافُقِ فِي صُوَرِ الْخُنْثَى، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ إذْ بَلَغَ حَدًّا يَشْتَهِي لَا الْبَالِغُ وَبِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى إذَا بَلَغَتْ كَذَلِكَ لَا الْبَالِغَةُ، وَلَوْ لَمَسَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا جِنِّيًّا أَوْ الرَّجُلُ امْرَأَةً جِنِّيَّةً هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْآدَمِيِّ أَوْ لَا ‏؟‏ يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مُنَاكَحَتِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ يَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏(‏إلَّا مَحْرَمًا‏)‏ لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا وَلَوْ بِشَهْوَةٍ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالرَّجُلِ‏.‏ وَهِيَ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَالثَّانِي تَنْقُضُ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ أَوْ لَا ‏؟‏ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يَنْقُضُ الْمَحْرَمُ مِنْ النَّسَبِ وَيَنْقُضُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ زَوْجَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ لِحُرْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لِحُرْمَتِهِنَّ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ وَلَا يُورِدُ ذَلِكَ عَلَى الضَّابِطِ إلَّا قَلِيلُ الْفِطْنَةِ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ‏:‏ إنَّ اللَّمْسَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا جَازَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ وَلَا بِالظَّنِّ كَمَا سَيَأْتِي وَالنِّكَاحُ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ لَانْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ النِّكَاحِ‏.‏ نَعَمْ إنْ تَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ النَّسَبِ وَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فَتَصِيرُ أُخْتًا لَهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ رَضَعَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَتَصِيرُ أُمَّهُ أَوْ لَا، وَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ رَضَعَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى أُمِّهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَتَصِيرُ أُخْتَهُ أَوْ لَا، فَيَأْتِي فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا؛ لِأَنَّا لَا نَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِالشَّكِّ، وَإِذَا تَزَوَّجَ بِهَا لَا نُبَعِّضُ الْأَحْكَامَ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخِي ‏(‏وَالْمَلْمُوسُ‏)‏ وَهُوَ مَنْ لَوْ يُوجَدُ مِنْهُ فِعْلُ اللَّمْسِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً ‏(‏كَلَامِسٍ‏)‏ فِي نَقْضِ وُضُوئِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرِكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ، فَهُمَا كَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَالثَّانِي لَا وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَمَا فِي مَسِّ ذَكَرِ غَيْرِهِ، وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُفَاعَلَةٌ، وَمَنْ لَمَسَ إنْسَانًا فَقَدْ حَصَلَ مِنْ الْآخَرِ اللَّمْسُ لَهُ، وَأَمَّا الْمَمْسُوسُ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَسُّ الذَّكَرِ وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ مَسُّ الْيَدِ، وَالشَّارِعُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِمَسِّ الذَّكَرِ‏.‏ وَأُجِيبَ عَمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ ‏(‏فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِرَاشِ لَيْلَةً فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي سُجُودِهِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِك مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ‏)‏ بِاحْتِمَالِ الْحَائِلِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلَّامِسِ حُكْمٌ لِيُحِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الِالْتِقَاءَ يَشْمَلُ اللَّامِسَ وَالْمَلْمُوسَ، فَإِنْ فُرِضَ الِالْتِقَاءُ مِنْهُمَا دَفْعَةً بِحَرَكَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ لَامِسَانِ صَحَّ، وَلَكِنَّهَا صُورَةٌ نَادِرَةٌ لَا شُعُورَ لِلَفْظِهِ بِهَا فَتَبْعُدُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهَا ‏(‏وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ‏)‏ وَلَا صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى عُرْفًا‏.‏ وَقِيلَ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَاهَا وَإِنْ انْتَفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَحْوِ هَرَمٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏شَعَرٌ‏)‏ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا ‏(‏وَسِنٌّ وَظُفْرٌ‏)‏ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ إسْكَانِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَبِكَسْرِهِ مَعَ إسْكَانِهَا وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ‏:‏ أُظْفُورٌ كَعُصْفُورٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَظَافِرَ وَأَظَافِيرَ، وَعَظْمٌ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ مُتَّصِلَاتٍ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِالْتِذَاذِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ، وَالثَّانِي تَنْقُضُ‏.‏ أَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ فَلِعُمُومِ الْآيَةِ، وَأَمَّا فِي الْبَوَاقِي فَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مَنْ لَمَسَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، أَمَّا إذَا انْفَصَلَتْ فَلَا تَنْقُضُ قَطْعًا، وَلَا يَنْقُضُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ غَيْرُ الْفَرْجِ، وَلَوْ قُطِعَتْ الْمَرْأَةُ نِصْفَيْنِ هَلْ يَنْقُضُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ لَا ‏؟‏ وَجْهَانِ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ‏.‏ قَالَ النَّاشِرِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ أَعْظَمَ نَقَضَ دُونَ غَيْرِهِ ا هـ‏.‏ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ نَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كُنْتُ جَرَيْتُ عَلَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، أَمَّا الْفَرْجُ فَسَيَأْتِي، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ، وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ رَجَّحَ عَدَمَ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَيِّتَةِ وَالْمَيِّتِ، وَعُدَّ مِنْ السَّهْوِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ وَنُسِبَ لِلْوَهْمِ

المتن

الرَّابِعُ‏:‏ مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ لَا فَرْجِ بَهِيمَةٍ، وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ الْجَبِّ، وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏الرَّابِعُ مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ‏)‏ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا ‏(‏بِبَطْنِ الْكَفِّ‏)‏ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ لِخَبَرِ ‏(‏مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ ‏(‏إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ‏)‏ وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ، الْكَفِّ فَثَبَتَ النَّقْضُ فِي فَرْجِ نَفْسِهِ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ فِي فَرْجِ غَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ لِهَتْكِ حُرْمَةِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى النَّقْضُ إلَيْهِ، وَقِيلَ‏:‏ فِيهِ خِلَافُ الْمَلْمُوسِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا خَبَرُ عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ‏:‏ إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ مَسُّ جُزْءٍ مِنْ الْفَرْجِ بِجُزْءٍ مِنْ بَطْنِ الْكَفِّ، وَبَطْنُ الْكَفِّ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ إنْ كَانَتْ عَلَى سَنَنِ الْأَصَابِعِ انْتَقَضَ بِالْمَسِّ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ إطْلَاقِ النَّقْضِ بِهَا، وَالْكَفُّ مُؤَنَّثَةٌ، وَسُمِّيَتْ كَفًّا؛ لِأَنَّهَا تَكُفُّ عَنْ الْبَدَنِ الْأَذَى، وَبِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ عَلَى الْمَنْفَذِ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا بَاطِنِ الْأَلْيَيْنِ وَلَا مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَلَا الْعَانَةِ، وَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ أَنَّ مَنْ مَسَّ شَعْرَ الْفَرْجِ يَنْقُضُ ضَعِيفٌ، وَمَسُّ بَعْضِ الذَّكَرِ الْمُبَانِ كَمَسِّ كُلِّهِ إلَّا مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ؛ إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ، وَالدُّبُرُ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِمَا نَقَضَ مَسُّهُمَا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالِاسْمِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الذَّكَرَ لَوْ قُطِعَ وَدُقَّ حَتَّى صَارَ لَا يُسَمَّى ذَكَرًا وَلَا بَعْضَهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ نَقَضَتَا بِالْمَسِّ سَوَاءٌ أَكَانَتَا عَامِلَتَيْنِ أَمْ غَيْرَ عَامِلَتَيْنِ لَا زَائِدَةً مَعَ عَامِلَةٍ فَلَا تَنْقُضُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ بَلْ الْحُكْمُ لِلْعَامِلَةِ فَقَطْ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ النَّقْضَ بِغَيْرِ الْعَامِلِ أَيْضًا، وَعَزَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ نَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْ الْبَغَوِيِّ فَقَطْ‏.‏ وَجَمَعَ ابْنُ الْعِمَادِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَقَالَ‏:‏ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَفَّانِ عَلَى مِعْصَمَيْنِ، وَكَلَامُ التَّحْقِيقِ فِيمَا إذَا كَانَتَا عَلَى مِعْصَمٍ وَاحِدٍ‏.‏ أَيْ وَكَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ‏:‏ وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ نَقَضَ الْمَسُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَا عَامِلَيْنِ، أَمْ غَيْرَ عَامِلَيْنِ لَا زَائِدًا مَعَ عَامِلٍ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفُورَانِيِّ ‏:‏ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَامِتًا لِلْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَامِتَةٍ لِلْبَقِيَّةِ فَيَنْقُضُ ‏(‏وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ‏)‏ أَيْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ، وَقِيَاسًا عَلَى الْقُبُلِ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا، وَالْقَدِيمُ لَا نَقْضَ بِمَسِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَذُّ بِمَسِّهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ لَا مَا وَرَاءَهُ جَزْمًا، وَلَامُ حَلْقَةٍ سَاكِنَةٌ وَحُكِيَ فَتْحُهَا ‏(‏لَا فَرْجِ بَهِيمَةٍ‏)‏ أَوْ طَيْرٍ، أَيْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ فِي الْجَدِيدِ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سِتْرِهِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَالْقَدِيمِ وَحَكَاهُ جَمْعٌ جَدِيدٌ أَنَّهُ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمَسِّ ‏(‏وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ‏)‏ لِشُمُولِ الِاسْمِ ‏(‏وَمَحَلُّ الْجَبِّ‏)‏ أَيْ الْقَطْعِ لِلْفَرْجِ ‏(‏وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ‏)‏ وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ الَّذِي يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَيَنْبَغِي، أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ الْفَرْجُ الْأَشَلُّ ‏(‏وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ‏)‏ وَهِيَ الَّتِي بَطَلَ عَمَلُهَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ مَحَلَّ، الْجَبِّ فِي مَعْنَى الْفَرْجِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا جُبَّ الذَّكَرُ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَاخِصٌ نَقَضَ قَطْعًا؛ وَلِشُمُولِ الِاسْمِ فِي الْبَاقِي، وَالثَّانِي لَا تَنْقُضُ الْمَذْكُورَاتُ لِانْتِفَاءِ الْفَرْجِ فِي مَحَلِّ الْجَبِّ وَلِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ فِي غَيْرِهِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَلَوْ نَبَتَ مَوْضِعَ الْجَبِّ جِلْدَةٌ فَمَسُّهَا كَمَسِّهِ بِلَا جِلْدَةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَمْسُوسُ وَاضِحًا فَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاسُّ لَهُ وَاضِحًا أَوْ مُشْكِلًا، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ مَسَّ مُشْكِلٌ فَرْجَيْ مُشْكِلٍ أَوْ فَرْجَيْ مُشْكِلَيْنِ بِأَنْ مَسَّ آلَةَ الرِّجَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَآلَةَ النِّسَاءِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ فَرْجَيْ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّهُ مَسَّ فِي غَيْرِ الثَّانِيَةِ وَمَسَّ أَوْ لَمَسَ فِي الثَّانِيَةِ الصَّادِقَةِ بِمُشْكِلَيْنِ غَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ، وَمُشْكِلٍ آخَرَ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النَّقْضِ مَانِعٌ مِنْ مَحْرَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى الصُّبْحَ مَثَلًا ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا أَعَادَ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بَيْنَ الْمَسَّيْنِ عَنْ حَدَثٍ أَوْ عَنْ الْمَسِّ احْتِيَاطًا‏.‏ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْحَالُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهَا قَطْعًا بِخِلَافِ الصُّبْحِ إذْ لَمْ يُعَارِضْهَا شَيْءٌ وَإِنْ مَسَّ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى أَوْ مَسَّتْ امْرَأَةٌ فَرْجَهُ انْتَقَضَ وُضُوءُ الْمَاسِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِثْلَهُ فَقَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِالْمَسِّ، وَإِلَّا فَبِاللَّمْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَسَّ الرَّجُلُ فَرْجَ الْخُنْثَى، وَالْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ؛ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ مَسَّ أَحَدُ مُشْكِلَيْنِ ذَكَرَ صَاحِبِهِ، وَالْآخَرُ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَجُلَيْنِ فَقَدْ انْتَقَضَ لِمَاسِّ الذَّكَرِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فَلِمَاسِّ الْفَرْجِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَلِكِلَيْهِمَا بِاللَّمْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَمَا مَرَّ إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَدَثُ فِيهِمَا فَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاحِدٍ فِي صَلَاةٍ لَا تَقْتَدِي بِالْآخَرِ ‏(‏وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا‏)‏ وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ لِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْكَفِّ‏.‏ وَضَابِطُ مَا يَنْقُضُ مَا يَسْتُرُ عِنْدَ وَضْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ، وَمَا الْمُرَادُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَحَرْفِهَا، فَقِيلَ بَيْنَهَا النُّقَرُ الَّتِي بَيْنَهَا وَحَرْفُهَا جَوَانِبُهَا، قِيلَ حَرْفُهَا جَانِبُ الْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ، وَمَا عَدَاهَا بَيْنَهَا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ

المتن

وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ، وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ، وَمَسُّ وَرَقِهِ، وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَرِيطَةٌ، وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ، وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ، وَتَفْسِيرٍ، وَدَنَانِيرَ لَا قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ‏.‏ وَأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِهِ بِعُودٍ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ عَمِلَ بِيَقِينِهِ، فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَجَهِلَ السَّابِقَ فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ‏)‏ حَيْثُ لَا عُذْرَ ‏(‏الصَّلَاةُ‏)‏ بِأَنْوَاعِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ‏)‏ وَالْقَبُولُ يُقَالُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ وَلِوُقُوعِ الْفِعْلِ صَحِيحًا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ فَالْمَعْنَى لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَّا بِوُضُوءٍ، وَمِنْهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَكِنْ فِيهَا خِلَافٌ لِلشَّعْبِيِّ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَتَا التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْعُذْرِ فَلَا تَحْرُمُ بَلْ قَدْ تَجِبُ كَأَنْ فَقَدَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَضَاقَ الْوَقْتُ، فَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ ‏(‏وَالطَّوَافُ‏)‏ فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏الطَّوَافُ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِخَيْرٍ‏)‏ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَقِيلَ‏:‏ يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا طَهَارَةٍ وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ نَقْلُهُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَنُسِبَ لِلْوَهْمِ ‏(‏وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ‏)‏ بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ ‏(‏وَمَسُّ وَرَقِهِ‏)‏ الْمَكْتُوبِ فِيهِ وَغَيْرِهِ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ فَاقِدًا لِلطَّهُورَيْنِ أَوْ مَسَّهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَثَوْبٍ رَقِيقٍ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَيْهِ أَوْ مَسَّ مَا كَانَ مَنْسُوخَ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ ‏[‏الْوَاقِعَةُ‏]‏ أَيْ الْمُتَطَهِّرُونَ هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَطَهِّرِ يَمَسُّهُ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ‏)‏ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ‏:‏ إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَالْحَمْلُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ‏.‏ نَعَمْ يَجُوزُ حَمْلُهُ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ وُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَجَبَ وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ، وَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ فَلَا يَحْرُمُ لِزَوَالِ حُرْمَتِهَا بِالنَّسْخِ بَلْ وَبِالتَّبْدِيلِ فِي الْأَوَّلَيْنِ‏.‏ قَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَنَحْوَهَا غَيْرُ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ ‏(‏وَكَذَا جِلْدُهُ‏)‏ الْمُتَّصِلُ بِهِ يَحْرُمُ مَسُّهُ بِمَا ذُكِرَ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ‏.‏ وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مُتَّصِلًا حَقِيقَةً، فَإِنْ انْفَصِلْ عَنْهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ حِلُّ مَسِّهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا، وَلَمْ يُنْقَلْ مَا يُخَالِفُهُ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ‏:‏ إنَّهُ الْأَصَحُّ؛ إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جُعِلَ جِلْدَ كِتَابٍ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ‏(‏وَخَرِيطَةٌ‏)‏ وَهِيَ وِعَاءٌ كَالْكِيسِ مِنْ أُدْمٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَصُنْدُوقٌ‏)‏ وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِهَا‏:‏ وِعَاءٌ مَعْرُوفٌ مُعَدَّانِ لِلْمُصْحَفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ‏(‏فِيهِمَا مُصْحَفٌ‏)‏ يَحْرُمُ مَسُّهُمَا بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ كَانَا كَالْجِلْدِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا فِي بَيْعِهِ، وَالْعِلَاقَةُ كَالْخَرِيطَةِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ مَسُّهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ وَرَدَتْ فِي الْمُصْحَفِ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُمَا جَزْمًا وَإِنْ جَوَّزْنَا تَحْلِيَةَ الْمُصْحَفِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَسِّ كَمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَتُهُ‏.‏ أَمَّا الْحَمْلُ فَيَحْرُمُ قَطْعًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُصْحَفُ فِيهِمَا أَوْ هُوَ فِيهِمَا، وَلَمْ يُعَدَّا لَهُ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُمَا ‏(‏وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ‏)‏ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ ‏(‏كَلَوْحٍ‏)‏ يَحْرُمُ مَسُّهُ بِمَا ذُكِرَ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أُثْبِتَ فِيهِ لِلدِّرَاسَةِ فَأَشْبَهَ الْمُصْحَفَ، وَالثَّانِي يَجُوزُ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ كَالْمُصْحَفِ‏.‏ أَمَّا مَا كُتِبَ لِغَيْرِ الدِّرَاسَةِ كَالتَّمِيمَةِ، وَهِيَ وَرَقَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُعَلَّقُ عَلَى الرَّأْسِ مَثَلًا لِلتَّبَرُّكِ، وَالثِّيَابُ الَّتِي يُكْتَبُ عَلَيْهَا وَالدَّرَاهِمُ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهَا وَلَا حَمْلُهَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏كَتَبَ كِتَابًا إلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ‏:‏ ‏(‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏)‏ آلُ عِمْرَانَ الْآيَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ‏)‏، وَتُكْرَهُ كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَتَعْلِيقُهَا إلَّا إذَا جُعِلَ عَلَيْهَا شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَيُسْتَحَبُّ التَّطَهُّرُ لِحَمْلِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَسِّهَا ‏(‏وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ‏)‏ أَيْ الْقُرْآنِ ‏(‏فِي‏)‏ مَتَاعٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ ‏(‏أَمْتِعَةٍ‏)‏ تَبَعًا لِمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ بِأَنْ قَصَدَ حَمْلَ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ حَمْلِ حَامِلِ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ، وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي الْحِلَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْجُنُبُ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا، وَالثَّانِي يَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَمُنِعَ مَعَ التَّبَعِيَّةِ كَحَامِلِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏ لَوْ حَمَلَ مُصْحَفًا مَعَ كِتَابٍ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ فَحُكْمُ حَمْلِهِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ مَعَ الْمَتَاعِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ، وَأَمَّا مَسُّ الْجِلْدِ فَيَحْرُمُ مَسُّ السَّاتِرِ لِلْمُصْحَفِ دُونَ مَا عَدَاهُ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخِي ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏تَفْسِيرٍ‏)‏ سَوَاءٌ أَتَمَيَّزَتْ أَلْفَاظُهُ بِلَوْنٍ أَمْ لَا إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ، أَوْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّحْقِيقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمْلِ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ بَابَ الْحَرِيرِ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِلرِّجَالِ كَبَرْدٍ‏.‏ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ لَا الْكَلِمَاتِ، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَثْرَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْمَسِّ بِحَالَةِ مَوْضِعِهِ، وَفِي الْحَمْلِ بِالْجَمِيعِ ا هـ‏.‏ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ‏:‏ أَيْ وَلَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ الْحَرِيرُ أَكْثَرُ أَوْ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ هُنَا عِنْدَ الشَّكِّ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ أَقَلُّ أَوْ لَا بَلْ أَوْلَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ، وَحَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ حَمْلُ التَّفْسِيرِ، وَلَا مَسُّهُ بِلَا طَهَارَةٍ كُرْهًا ‏(‏وَ‏)‏ فِي دَرَاهِمَ وَ ‏(‏دَنَانِيرَ‏)‏ كَالْأَحَدِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ دُونَهُ‏.‏ وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّعْظِيمِ ‏(‏لَا‏)‏ حِلُّ ‏(‏قَلْبِ وَرَقِهِ‏)‏ أَيْ الْمُصْحَفِ ‏(‏بِعُودٍ‏)‏ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْوَرَقَةِ فَهُوَ كَحَمْلِهَا‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ لِمَا سَيَأْتِي، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَبَ الْأَوْرَاقَ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعًا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُودِ بِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَّصِلٌ بِهِ، وَلَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ فِي مَنْعِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ‏:‏ وَلِأَنَّ التَّقْلِيبَ يَقَعُ بِالْيَدِ لَا بِالْكُمِّ ا هـ‏.‏ وَعَلَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا قَلَبَهُ بِكُمِّهِ فَقَطْ كَأَنْ فَتَلَهُ وَقَلَبَ بِهِ فَهُوَ كَالْعُودِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّ الصَّبِيَّ‏)‏ الْمُمَيِّزَ ‏(‏الْمُحْدِثَ‏)‏ وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ ‏(‏لَا يُمْنَعُ‏)‏ مِنْ مَسٍّ وَلَا مِنْ حَمْلِ لَوْحٍ، وَلَا مُصْحَفٍ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ‏.‏ أَيْ لَا يَجِبُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ مُتَطَهِّرًا بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ أَوْ كَانَ لِغَرَضٍ آخَرَ مُنِعَ مِنْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ‏.‏ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ ‏(‏قُلْتُ الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِهِ‏)‏ أَيْ وَرَقِ الْمُصْحَفِ ‏(‏بِعُودٍ‏)‏ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَرَقَةُ قَائِمَةً فَصَفْحُهَا بِعُودٍ جَازَ إنْ احْتَاجَ فِي صَفْحِهَا إلَى رَفْعِهَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لَهَا ا هـ‏.‏ وَمَا قَالَهُ عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ‏.‏ فَوَائِدُ‏:‏ يُكْرَهُ كَتْبُ الْقُرْآنِ عَلَى حَائِطٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَثِيَابٍ وَطَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ هَدْمُ الْحَائِطِ وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ، وَلَا يَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ مَا فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَلَا يُكْرَهُ كَتْبُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي إنَاءٍ لِيُسْقَى مَاؤُهُ لِلشِّفَاءِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ التَّحْرِيمِ‏.‏ وَأَكْلُ الطَّعَامِ‏.‏ كَشُرْبِ الْمَاءِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَصَاحِفَ، وَيَحْرُمُ كَتْبُ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - بِنَجِسٍ وَعَلَى نَجِسٍ وَمَسُّهُ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ، وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَلَوْ خِيفَ عَلَى مُصْحَفٍ تَنَجُّسٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ تَلَفٌ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ ضَيَاعٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرِهِ جَازَ لَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَوَجَبَ فِي غَيْرِهَا صِيَانَةً لَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَتَوَسُّدُهُ، وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ، وَتَوَسُّدُ كُتُبِ عِلْمٍ مُحْتَرَمٍ إلَّا لِخَوْفٍ مِنْ نَحْو سَرِقَةٍ، نَعَمْ إنْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ تَلَفٍ نَحْوِ حَرْقٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ كَافِرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ، وَيَجُوزُ كَتْبُ آيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا إلَيْهِمْ فِي أَثْنَاءِ كِتَابٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّهِ لَا سَمَاعِهِ، وَيَحْرُمُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ إنْ كَانَ مُعَانِدًا، وَغَيْرُ الْمُعَانِدِ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ جَازَ تَعْلِيمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ، وَتَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ بِحَمَّامٍ وَطَرِيقٍ إنْ لَمْ يُتَلَهَّ عَنْهَا، وَإِلَّا كُرِهَتْ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرٍ لَمْ يُخَصَّ بِمَحَلٍّ، فَإِنْ خُصَّ بِهِ بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَعَوَّذَ لَهَا جَهْرًا إنْ جَهَرَ بِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ‏.‏ أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ مُطْلَقًا، وَيَكْفِيهِ تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ فَصْلٍ طَوِيلٍ كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ وَأَنْ يَجْلِسَ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ وَأَنْ يَقْرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَتَخَشُّعٍ، وَأَنْ يُرَتِّلَ، وَأَنْ يَبْكِيَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ إلَّا إنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ فَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ، وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَهُوَ‏:‏ مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا كَ ‏"‏ أَيْمَانَهُمَا ‏"‏ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَةُ‏]‏ وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ‏:‏ أَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَابْنَيْ كَثِيرٍ وَعَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ‏.‏ وَعِنْدَ آخَرِينَ‏:‏ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ‏:‏ السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ مِنْ السَّبْعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا، فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْآيَاتِ بِهَا وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا مِنْ السَّبْعِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأَوَّلِ وَبِعَكْسِ الْآيِ لَا بِعَكْسِ السُّوَرِ وَلَكِنْ تُكْرَهُ إلَّا فِي تَعْلِيمٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ، وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِلَا عِلْمٍ‏.‏ وَنِسْيَانُهُ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أُنْسِيتُ كَذَا لَا نَسِيتُهُ، وَيُنْدَبُ خَتْمُهُ أَوَّلَ نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ وَحُضُورُهُ وَالشُّرُوعُ بَعْدَهُ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى، وَكَثْرَةُ تِلَاوَتِهِ، وَقَدْ أُفْرِدَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ بِالتَّصَانِيفِ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ‏(‏وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ‏)‏ أَيْ تَرَدَّدَ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ رُجْحَانٍ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ ‏(‏فِي ضِدِّهِ‏)‏ هَلْ طَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ لَا ‏(‏عَمِلَ بِيَقِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ‏:‏ ‏(‏إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا‏)‏ فَمَنْ ظَنَّ الضِّدَّ لَا يَعْمَلُ بِظَنِّهِ؛ لِأَنَّ ظَنَّ اسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَقْوَى مِنْهُ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ اسْتِصْحَابُهُ وَإِلَّا فَالْيَقِينُ لَا يُجَامِعُهُ شَكٌّ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ يُعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ فَمُرَادُهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمَظْنُونَ طَهَارَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ مَثَلًا يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ ظَنَّ الطُّهْرِ يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الرَّوْضَةِ‏.‏ وَقَالَ النَّشَائِيُّ‏:‏ إنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ أَوْهَامِهِ ‏(‏فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا‏)‏ أَيْ الطُّهْرَ وَالْحَدَثَ بِأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ الشَّمْسِ مَثَلًا ‏(‏وَجَهِلَ السَّابِقَ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا‏)‏ يَأْخُذُ بِهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، هَذَا إنْ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ عَادَتُهُ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَدْ التَّجْدِيدَ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُهَا عَنْ الْحَدَثِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا أَوْ مُحْدِثًا أَخَذَ بِمَا قَبْلَ الْأَوَّلَيْنِ عَكْسَ مَا مَرَّ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، قَالَ‏:‏ وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ‏.‏ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ وِتْرًا أَخَذَ بِالضِّدِّ أَوْ شَفْعًا فَبِالْمِثْلِ بَعْدَ اعْتِبَارِ التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ جَهِلَ مَا قَبْلَهُمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ الْمَحْضِ فِي الطَّهَارَةِ، وَهَذَا فِيمَنْ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ‏.‏ أَمَّا غَيْرُهُ فَيَأْخُذُ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَلَا أَثَرَ لِتَذَكُّرِهِ‏.‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَبْلَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ احْتِيَاطًا، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحَيْ الْمَذْهَبِ وَالْوَسِيطِ وَاخْتَارَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا‏.‏ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لِذَهَابِ الْأَكْثَرِينَ إلَيْهِ‏:‏ أَيْ وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الشَّمْسِ بَطَلَ يَقِينًا وَمَا بَعْدَهُ مُعَارَضٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهْرٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏:‏ إنْ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ‏:‏ الْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ، وَالضَّرَرُ يُزَالُ، وَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ وَالْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ‏.‏ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، وَالْفِقْهُ عَلَى خَمْسٍ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏:‏ يَرْجِعُ الْفِقْهُ كُلُّهُ إلَى اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ‏.‏ وَقَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ بَلْ إلَى اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَمُوجِبُ الطَّهَارَةِ وُضُوءًا وَغُسْلًا هَلْ هُوَ الْحَدَثُ أَوْ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا أَوْ هُمَا أَوْجُهٌ ‏؟‏ أَصَحُّهَا ثَالِثُهَا

فَصْلٌ ‏[‏فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ‏]‏

المتن

يُقَدِّمُ دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ، وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ، وَلَا يَحْمِلُ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَعْتَمِدُ جَالِسًا يَسَارَهُ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا، وَيَحْرُمَانِ بِالصَّحْرَاءِ، وَيَبْعُدُ، وَيَسْتَتِرُ، وَلَا يَبُولُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، وَجُحْرٍ، وَمَهَبِّ رِيحِ، وَمُتَحَدَّثٍ، وَطَرِيقٍ، وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ، وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنْي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ‏.‏ وَعِنْدَ خُرُوجِهِ‏:‏ غُفْرَانَكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي‏.‏

الشرحُ

فَصْلٌ‏:‏ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ‏.‏ وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَقَالَ‏:‏ ‏(‏يُقَدِّمُ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ‏)‏ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا ‏(‏وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ‏)‏ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ التَّكْرِيمِ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْيَمِينِ وَخِلَافُهُ بِالْيَسَارِ لِمُنَاسِبَةِ الْيَسَارِ لِلْمُسْتَقْذَرِ وَالْيَمِينِ لِغَيْرِهِ‏.‏ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ ‏(‏أَنَّ مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يَسَارِهِ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ‏)‏ وَفِي مَعْنَى الرِّجْلِ بَدَلُهَا مِنْ أَقْطَعِهَا‏.‏ وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي نُقِلَ إلَى الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عُرْفًا‏.‏ قَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ سُمِّيَ بِاسْمِ شَيْطَانٍ فِيهِ يُقَالُ لَهُ‏:‏ خَلَاءٌ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا، وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ يُتَخَلَّى فِيهِ‏.‏ أَيْ يُتَبَرَّزُ، وَجَمْعُهُ أَخْلِيَةٌ كَرِدَاءٍ وَأَرْدِيَةٍ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الْمِرْفَقَ، وَالْكَنِيفَ، وَالْمِرْحَاضَ، وَتَعْبِيرُهُ بِهِ وَبِالدُّخُولِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ‏}‏ ‏[‏النِّسَاءُ‏]‏ فَيُقَدِّمُ يَسَارَهُ إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ فِي الصَّحْرَاءِ وَيُمْنَاهُ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ، وَدَنَاءَةُ الْمَوْضِعِ قَبْلَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ قَضَائِهَا فِيهِ كَالْخَلَاءِ الْجَدِيدِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ أَحَدٌ حَاجَتَهُ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ فِي الصَّحْرَاءِ هَكَذَا أَيْضًا فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِلصَّلَاةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُعِدَّ أَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ إنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا لِخَبَرِ ‏(‏إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ‏)‏ أَوْ الْمَاءَ إنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ أَوْ هُمَا إنْ أَرَادَ الْجَمْعَ ‏(‏وَلَا يَحْمِلُ‏)‏ فِي الْخَلَاءِ ‏(‏ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى‏)‏ أَيْ مَكْتُوبَ ذِكْرٍ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى حَمْلُ مَا كُتِبَ مِنْ ذَلِكَ فِي دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَاقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏فَإِنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ وَكَانَ نَقْشُهُ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ‏:‏ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَ رَسُولُ سَطْرٌ، وَ اللَّهِ سَطْرٌ‏)‏ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَفِي حِفْظِي أَنَّهُ كَانَ يُقْرَأُ مِنْ أَسْفَلَ فَصَاعِدًا لِيَكُونَ اسْمُ اللَّهِ فَوْقَ الْجَمِيعِ ا هـ‏.‏ وَقِيلَ كَانَ النَّقْشُ مَعْكُوسًا لِيُقْرَأَ مُسْتَقِيمًا إذَا خَتَمَ بِهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ‏:‏ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَمْرَيْنِ خَبَرٌ، وَحَمْلُ مَا عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْخَلَاءِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ اسْمُ رَسُولِهِ وَكُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ‏:‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْقِيحِ‏:‏ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَسْمَاءُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ وَنَبِيِّهِ مَثَلًا دُونَ مَا لَا يَخْتَصُّ كَعَزِيزٍ وَكَرِيمٍ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ ا هـ‏.‏ وَمِثْلُ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ مَا إذَا قَصَدَهُ بِهِ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَلَوْ عَمْدًا حَتَّى قَعَدَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ ضَمَّ كَفَّيْهِ عَلَيْهِ أَوْ وَضَعَهُ فِي عِمَامَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا، وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ‏.‏ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ ‏.‏ وَلَيْتَهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالْمُتَّجِهُ تَحْرِيمُ إدْخَالِ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ الْخَلَاءَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إجْلَالًا لَهُ وَتَكْرِيمًا ا هـ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ مَحَاسِنُ كَلَامِ الشَّرِيعَةِ يُشْعِرُ بِتَحْرِيمِ بَقَاءِ الْخَاتَمِ الَّذِي عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْيَسَارِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى تَنْجِيسِهِ ا هـ مُلَخَّصًا، وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ عَلَى مَا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ التَّنْجِيسُ، وَلَا يَدْخُلُ الْمَحَلَّ حَافِيًا، وَلَا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ ‏(‏وَيَعْتَمِدُ‏)‏ نَدْبًا فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ ‏(‏جَالِسًا يَسَارَهُ‏)‏ وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى تَكْرِيمًا لَهَا بِأَنْ يَضَعَ أَصَابِعَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعَ بَاقِيَهَا، وَيَضُمَّ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَخِذَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّسْوِيَةُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ بَيْنَ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ، نَعَمْ لَوْ بَالَ قَائِمًا فَرَّجَ بَيْنهمَا فَيَعْتَمِدُهُمَا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ خَوْفًا مِنْ التَّنْجِيسِ، وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا إنْ خَافَ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَيَرْفَعُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَيُسْبِلُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا قَبْلَ انْقِضَاءِ قِيَامِهِ ‏(‏وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا‏)‏ نَدْبًا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ مَعَ سَاتِرٍ مُرْتَفِعٍ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا فَأَكْثَرَ، نَعَمْ لَوْ بَالَ قَائِمًا لَا بُدَّ مِنْ ارْتِفَاعِهِ إلَى أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَرِيضًا بِحَيْثُ يَسْتُرُهَا سَوَاءٌ أَكَانَ قَائِمًا أَمْ لَا بِخِلَافِ سُتْرَةِ الصَّلَاةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَرْضٌ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَإِرْخَاءُ ذَيْلِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ فَهُمَا حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى ‏(‏وَيَحْرُمَانِ‏)‏ فِي الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَ ‏(‏بِالصَّحْرَاءِ‏)‏ بِدُونِ السَّاتِرِ الْمُتَقَدِّمِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا‏)‏ وَفِيهِمَا ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ‏)‏‏.‏ وَقَالَ جَابِرٌ‏:‏ ‏(‏نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا‏)‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْفَضَاءِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لِسُهُولَةِ اجْتِنَابِ الْمُحَاذَاةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ مَعَ الصَّحْرَاءِ، فَيَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ كَمَا مَرَّ‏.‏ أَمَّا فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى‏.‏ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الرِّيحُ تَهُبُّ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ تَعَيَّنَ الِاسْتِدْبَارُ، وَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا اسْتِدْبَارُهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ الْجِمَاعِ أَوْ إخْرَاجِ الرِّيحِ؛ إذْ النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَةِ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَذَا الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ إكْرَامًا لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ دُونَ اسْتِدْبَارِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ‏:‏ يُكْرَهُ الِاسْتِدْبَارُ أَيْضًا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يُكْرَهَانِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ‏:‏ إنَّهُ لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ فَالْمُخْتَارُ إبَاحَتُهُ ‏(‏وَيَبْعُدُ‏)‏ عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِبْعَادُ عَنْهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْإِبْعَادُ عَنْهُ كَذَلِكَ ‏(‏وَيَسْتَتِرُ‏)‏ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفَعِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ‏)‏‏.‏ قَالَ التِّرْمِذِيُّ‏:‏ إنَّهُ حَسَنٌ، وَيَحْصُلَ السَّتْرُ بِرَاحِلَةٍ أَوْ وَهْدَةٍ أَوْ إرْخَاءِ ذَيْلِهِ، هَذَا إنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ بِنَاءٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَأَنْ جَلَسَ فِي وَسَطِ مَكَان وَاسِعٍ كَبُسْتَانٍ، فَإِنْ كَانَ بِبِنَاءٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ‏:‏ أَيْ عَادَةً كَفَى كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ نَظَرِ عَوْرَتِهِ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِتَارُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏:‏ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ فِي الْخَلْوَةِ كَحَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَالْبَوْلِ وَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ، أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ كَشْفُهَا ‏(‏وَلَا يَبُولُ‏)‏ وَلَا يَتَغَوَّطُ ‏(‏فِي مَاءٍ رَاكِدٍ‏)‏ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ بَلْ أَوْلَى، وَالنَّهْيُ فِي ذَلِكَ لِلْكَرَاهَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ، وَفِي اللَّيْلِ أَشَدُّ كَرَاهَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ مَأْوَى الْجِنِّ، أَمَّا الْجَارِي فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ الْكَرَاهَةُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ‏.‏ أَيْ وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ لِمَا مَرَّ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ وَبِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ، فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخِرْقَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَحْرِيمِهِ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ النَّجِسِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِعْمَالًا بِخِلَافِهِ هُنَا، وَمَحَلُّ عَدَمِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الطُّهْرُ بِهِ بِأَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ أَوْ مُسْبَلٍ أَوْ لَهُ وَتَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ بِأَنْ دَخَلَ الْوَقْتُ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ فَلَا يَحِلُّ الْبَوْلُ فِيهِ كَمَا لَا يَحِلُّ فِي الطَّعَامِ‏.‏ أُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا قَضَاءُ الْحَاجَةِ بِقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي يُكْرَهُ قَضَاؤُهَا فِيهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَوَارِدِ، وَصَبُّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏جُحْرٍ‏)‏‏.‏ وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ‏:‏ الْخَرْقُ النَّازِلُ الْمُسْتَدِيرُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ لِمَا يُقَالُ‏:‏ إنَّهُ مَسْكَنُ الْجِنِّ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ حَيَوَانٌ ضَعِيفٌ فَيَتَأَذَّى أَوْ قَوِيٌّ فَيُؤْذِيهِ أَوْ يُنَجِّسُهُ‏.‏ قِيلَ‏:‏ إنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَخَرَّ مَيِّتًا، فَقَالَتْ الْجِنُّ فِي ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏الرَّجَزُ‏)‏ نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمٍ فَلَمْ يُخْطِ فُؤَادَهْ‏.‏ وَقِيلَ إنْ سَبَبَ مَوْتِهِ أَنَّهُ بَالَ فِي جُحْرٍ وَمِثْلُهُ السَّرَبُ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ‏:‏ الشِّقُّ الْمُسْتَطِيلُ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُعَدَّ لِذَلِكَ‏:‏ أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏مَهَبِّ الرِّيحِ‏)‏ أَيْ مَوْضِعِ هُبُوبِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَابَّةً؛ إذْ قَدْ تَهُبُّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الرَّشَاشَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اسْتِقْبَالِهَا، وَأَمَّا اسْتِدْبَارُهَا فَلَا يَأْتِي فِيهِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُعَلَّلُ بِعَوْدِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ إلَيْهِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُ الْمَرَاحِيضُ الْمُشْتَرَكَةُ فَيَنْبَغِي الْبَوْلُ فِي إنَاءٍ وَإِفْرَاغُهُ فِيهَا لِيَسْلَمَ مِنْ النَّجَاسَةِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا فِي مَكَان صُلْبٍ لِمَا ذُكِرَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ دَقَّهُ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏مُتَحَدَّثٍ‏)‏ لِلنَّاسِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ‏:‏ مَكَانُ الِاجْتِمَاعِ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّخَلِّي فِي ظِلِّهِمْ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ أَيْ فِي الصَّيْفِ، وَمِثْلُهُ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ، وَشَمِلَهُمْ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ مُتَحَدَّثٍ ‏"‏ ‏(‏وَ‏)‏ لَا فِي ‏(‏طَرِيقٍ‏)‏ لَهُمْ مَسْلُوكٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ‏.‏ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ‏)‏ تَسَبَّبَا بِذَلِكَ فِي لَعْنِ النَّاسِ لَهُمَا كَثِيرًا عَادَةً فَنُسِبَ إلَيْهِمَا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ؛ إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ فَحُوِّلَ لِلْمُبَالَغَةِ‏.‏ وَالْمَعْنَى‏:‏ احْذَرُوا سَبَبَ اللَّعْنِ الْمَذْكُورِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ‏(‏اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ‏:‏ الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ‏)‏ وَالْمَلَاعِنُ‏:‏ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ، وَالْمَوَارِدُ‏:‏ طُرُقُ الْمَاءِ، وَالتَّخَلِّي‏:‏ التَّغَوُّطُ، وَكَذَا الْبِرَازُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيسَ بِالْغَائِطِ الْبَوْلُ، وَصَرَّحَ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَرَاهَتُهُ، وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَلِإِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ ا هـ‏.‏ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ‏.‏ وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ‏:‏ أَعْلَاهُ، وَقِيلَ‏:‏ صَدْرُهُ، وَقِيلَ‏:‏ مَا بَرَزَ مِنْهُ‏.‏ أَمَّا الطَّرِيقُ الْمَهْجُورُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَلَا يَبُولُ قَائِمًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏(‏مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ‏)‏ ‏:‏ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافُ الْأَوْلَى، فَقَدْ ثَبَتَ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا‏)‏ قِيلَ‏:‏ إنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ، فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ‏.‏ وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ الْأَطِبَّاءِ‏:‏ أَنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الشِّتَاءِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شَرْبَةِ دَوَاءٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏تَحْتَ‏)‏ شَجَرَةٍ ‏(‏مُثْمِرَةٍ‏)‏ وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مُبَاحًا، وَفِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّلْوِيثِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُّهَا النَّفْسُ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ؛ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ‏:‏ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَكَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُثْمِرَ لَمْ يُكْرَهُ كَمَا لَوْ بَالَ تَحْتَهَا ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً طَهُورًا، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ إلَّا فِي الْمَكَانِ الصُّلْبِ وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَيَخْتَصَّانِ بِالْبَوْلِ، بَلْ يَنْبَغِي فِيهِمَا التَّفْصِيلُ فِي الْغَائِطِ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ، فَيَكُونُ الْمَائِعُ كَالْبَوْلِ ‏(‏وَلَا يَتَكَلَّمُ‏)‏ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ‏.‏ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِنْذَارِ أَعْمَى فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ قَدْ يَجِبُ لِخَبَرِ ‏(‏لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ‏)‏، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ‏.‏ وَمَعْنَى يَضْرِبَانِ‏:‏ يَأْتِيَانِ‏.‏ وَالْمَقْتُ‏:‏ الْبُغْضُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ مَكْرُوهٌ، فَلَوْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ‏:‏ أَيْ بِكَلَامٍ يَسْمَعُ بِهِ نَفْسَهُ، إذْ لَا يُكْرَهُ الْهَمْسُ وَلَا التَّنَحْنُحُ‏.‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْرُمُ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُ ابْنِ كَجٍّ إنَّهَا لَا تَجُوزُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ‏:‏ أَيْ فَتُكْرَهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتِّبْيَانِ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَضَعِيفٌ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ اللَّائِقُ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْعُ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ، وَلَا إلَى الْخَارِجِ مِنْهُ، وَلَا إلَى السَّمَاءِ، وَلَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ، وَلَا يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا ‏(‏وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِذَلِكَ‏.‏ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِ الرَّشَاشُ فَيُنَجِّسَهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ، وَالْمُعَدُّ لِذَلِكَ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، بَلْ قَدْ يَجِبُ حَيْثُ لَا مَاءَ، وَلَوْ انْتَقَلَ لَتَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ، وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ بِالْوُضُوءِ، وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي لَهُمَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الْمُغْتَسَلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ‏)‏ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْمَاءُ، وَعِنْدَ قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ احْتِرَامًا لَهُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُهُ بَيْنَ الْقُبُورِ الْمُتَكَرِّرِ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِ تَرَتُّبِهَا بِأَجْزَاءِ الْمَيِّتِ ا هـ‏.‏ وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَحْرُمُ عَلَى قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ وَبِمَسْجِدٍ، وَلَوْ فِي إنَاءٍ تَنْزِيهًا لَهُمَا عَنْ ذَلِكَ ‏(‏وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ‏)‏ نَدْبًا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ بِنَحْوِ تَنَحْنُحٍ وَمَشْيٍ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِ‏:‏ سَبْعُونَ خُطْوَةً وَنَتْرِ ذَكَرٍ‏.‏ وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيُسْرَاهُ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ، وَيَنْتُرَهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدِهَا الْيُسْرَى عَلَى عَانَتِهَا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ‏.‏ وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُحَصِّلَ هَذَا بِأَدْنَى عَصْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا‏.‏ وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا قَالَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ‏)‏ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ، وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِمُقْتَضَى عَادَتِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُكْرَهُ حَشْوُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بِنَحْوِ قُطْنٍ، وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ فِي مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ يُورِثُ وَجَعًا فِي الْكَبِدِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ شَرْطُ الْكَرَاهَةِ وُجُودُ نَهْيٍ مَخْصُوصٍ، وَلَمْ يُوجَدْ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ حَيْثُ وُجِدَ النَّهْيُ وُجِدَتْ الْكَرَاهَةُ لَا أَنَّهَا حَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ لِكَثْرَةِ وُجُودِهَا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ بِلَا نَهْيٍ مَخْصُوصٍ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ إنَاءً لِلْبَوْلِ لَيْلًا، قَالَهُ فِي الْعُبَابِ ‏(‏وَيَقُولُ‏)‏ نَدْبًا ‏(‏عِنْدَ‏)‏ إرَادَةِ ‏(‏دُخُولِهِ‏)‏ أَوْ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ ‏(‏بِاسْمِ اللَّهِ‏)‏ أَيْ أَتَحَصَّنُ مِنْ الشَّيْطَانِ، هَكَذَا يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهَا ‏(‏اللَّهُمَّ‏)‏ أَيْ يَا أَللَّهُ ‏(‏إنْي أَعُوذُ‏)‏ أَيْ أَعْتَصِمُ ‏(‏بِكَ مِنْ الْخُبُثِ‏)‏ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ ‏(‏وَالْخَبَائِثِ‏)‏ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، وَالْمُرَادُ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفَارَقَ تَأْخِيرُ التَّعَوُّذِ عَنْ الْبَسْمَلَةِ هُنَا تَعُوذَ الْقِرَاءَةِ حَيْثُ قَدَّمُوهُ عَلَيْهَا بِأَنَّهُ ثَمَّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهُ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهَا بِخِلَافِهِ هُنَا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَإِنْ نَسِيَ تَعَوَّذَ بِقَلْبِهِ كَمَا يَحْمَدُ الْعَاطِسُ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْبَزْرِيِّ وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ‏:‏ أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ مَحَلَّ ذِكْرٍ فَلَا يَتَجَاوَزُ فِيهِ الْمَأْثُورَ، وَزَادَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الرِّجْسِ النَّجَسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏)‏‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ‏.‏ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُمْ فِي الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَاهُمْ، وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَأْوًى لَهُمْ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ ‏(‏وَ‏)‏ يَقُولُ نَدْبًا ‏(‏عِنْدَ‏)‏ أَيْ عَقِبَ ‏(‏خُرُوجِهِ‏)‏ أَوْ انْصِرَافِهِ ‏(‏غُفْرَانَكَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ‏.‏ وَيُكَرِّرُ غُفْرَانَكَ ثَلَاثًا‏.‏ قِيلَ‏:‏ سَبَبُ سُؤَالِهِ ذَلِكَ تَرْكُ ذِكْرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ سَأَلَ الْمُسَامَحَةَ بِسَبَبِ تَرْكِ الذِّكْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ اسْتَغْفَرَ خَوْفًا مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ فَرَأَى شُكْرَهُ قَاصِرًا عَنْ بُلُوغِ حَقِّ هَذِهِ النِّعَمِ فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ سَأَلَ دَوَامَ نِعْمَتِهِ بِتَسْهِيلِ الْأَذَى وَعَدَمِ حَبْسِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى شُهْرَتِهِ وَانْكِشَافِهِ، وَالْغُفْرَانُ عَلَى هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَفْرِ، وَهُوَ السَّتْرُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ لِمَا خَلَصَ مِنْ النَّجْوِ الْمُثَقِّلِ لِلْبَدَنِ سَأَلَ التَّخْلِيصَ مِمَّا يُثْقِلُ الْقَلْبَ وَهُوَ الذَّنْبُ لِتَكْمُلَ الرَّاحَةُ‏.‏ وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ

المتن

وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ، وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ، وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ وَجِلْدٍ دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَشَرْطُ الْحَجَرِ أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجِسُ، وَلَا يَنْتَقِلَ وَلَا يَطْرَأُ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ نَدَرَ أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَتَهُ وَحَشَفَتَهُ جَازَ الْحَجَرُ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَجِبُ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ، وَلَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِ وَجَبَ الْإِنْقَاءُ‏.‏ وَسُنَّ الْإِيتَارُ وَكُلُّ حَجَرٍ لِكُلِّ مَحَلِّهِ‏.‏ وَقِيلَ يُوَزَّعْنَ لِجَانِبَيْهِ وَالْوَسَطِ، وَيُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِيَسَارِهِ، وَلَا اسْتِنْجَاءَ لِدُودٍ، وَبَعَرٍ بِلَا لَوْثٍ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ‏)‏ إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مُلَوِّثٍ، وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ لَا عَلَى الْفَوْرِ بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ‏(‏بِمَاءٍ‏)‏ عَلَى الْأَصْلِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ‏(‏أَوْ حَجَرٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَّزَهُ بِهِ حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ‏.‏ وَأَمَرَ بِفِعْلِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ‏)‏ الْمُوَافِقُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ ‏(‏نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ‏)‏‏:‏ وَهُوَ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَارْتِفَاعُهُ يَحْصُلُ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُهُ وَإِنَّمَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ وَلَا اسْتِبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ، وَمُقْتَضَاهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ عَدَمُ صِحَّةِ وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ إنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ التُّرَابِ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ أَصْلًا‏.‏ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ أَوْ حَجَرٍ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا ‏(‏وَجَمْعُهُمَا‏)‏ بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ ‏(‏أَفْضَلُ‏)‏ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَزُولُ بِالْحَجَرِ؛ وَالْأَثَرَ يَزُولُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مُخَامَرَةِ النَّجَاسَةِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ بِخِلَافِ الْحَجَرِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ طَهَارَةُ الْحَجَرِ وَأَنَّهُ يَكْفِي بِدُونِ الثَّلَاثِ مَعَ الْإِنْقَاءِ، وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ الْجِيلِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ‏.‏ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الثَّانِي‏:‏ الْمَعْنَى وَسِيَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلَّانِ عَلَيْهِ ا هـ‏.‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِهَذَا يَحْصُلُ أَصْلُ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ، وَأَمَّا كَمَالُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْجَمْعِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ جَزَمَ الْقَفَّالُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْغَائِطِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْحَجَرَ حِجَارَةَ الْحَرَمِ فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ ‏(‏وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ‏)‏ الْوَارِدِ ‏(‏كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ‏)‏ كَخَشَبٍ وَخَزَفٍ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ كَالْحَجَرِ، فَخَرَجَ بِالْجَامِدِ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ الْمَائِعُ غَيْرُ الْمَاءِ الطَّهُورِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْخَلِّ، وَبِالطَّاهِرِ النَّجِسُ كَالْبَعَرِ، وَالْمُتَنَجِّسُ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَبِالْقَالِعِ نَحْوُ الزُّجَاجِ وَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، وَالْمُتَنَاثِرِ كَتُرَابٍ وَمَدَرٍ وَفَحْمٍ رِخْوَيْنِ، بِخِلَافِ التُّرَابِ وَالْفَحْمِ الصُّلْبَيْنِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْفَحْمِ ضَعِيفٌ‏.‏ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الرِّخْوِ، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ حَجَرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَالِعًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ الْمُحْتَرَمُ كَجُزْءِ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ بِهِ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ، وَكَمَطْعُومِ آدَمِيٍّ كَالْخُبْزِ أَوْ جِنِّيٍّ كَالْعَظْمِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ‏)‏ يَعْنِي مِنْ الْجِنِّ، فَمَطْعُومُ الْآدَمِيِّ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَأَمَّا مَطْعُومُ الْبَهَائِمِ كَالْحَشِيشِ فَيَجُوزُ بِهِ، وَالْمَطْعُومُ لَهَا وَلِلْآدَمِيِّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَغْلَبُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ الثُّبُوتُ‏:‏ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَطْعُومٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، أَمَّا جُزْءُ الْحَيَوَانِ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ كَشَعْرِهِ فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ فِي جُزْءِ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ رَطْبًا وَيَجُوزُ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا، وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا، وَهُوَ أَقْسَامٌ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ فَلَا يَجُوزُ بِرَطْبِهِ وَلَا يَابِسِهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ مَا يُؤْكَلُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَكُلِّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بِنَوَاهُ الْمُنْفَصِلِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ مَا لَهُ قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَلَا يَجُوزُ بِلُبِّهِ، وَأَمَّا قِشْرُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ حَبُّهُ فِيهِ، وَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا فَقَطْ كَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَاءِ جَازَ يَابِسًا لَا رَطْبًا، ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ مَبْسُوطًا، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِشَيْءٍ مُحْتَرَمٍ وَغَيْرِ قَالِعٍ لَمْ يَنْقُلَا النَّجَاسَةَ، فَإِنْ نَقَلَاهَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ عِلْمٌ كَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْمُحْتَرَمِ سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْعِيًّا كَمَا مَرَّ أَمْ لَا كَحِسَابٍ وَنَحْوٍ وَطِبٍّ وَعَرُوضٍ فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَفَلْسَفَةٍ وَمَنْطِقٍ مُشْتَمِلٍ عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ، إطْلَاقُ مَنْ جَوَّزَهُ وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي بِوَرَقِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عُلِمَ تَبْدِيلُهُ مِنْهُمَا وَخَلَا عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِهِ‏.‏ وَأُلْحِقَ بِمَا فِيهِ عِلْمٌ مُحْتَرَمٌ جِلْدُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ، بِخِلَافِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا ‏(‏وَجِلْدٍ‏)‏ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى جَامِدٍ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى كُلُّ ‏(‏دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَدْبُوغَ انْتَقَلَ بِالدَّبْغِ عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ جِلْدٍ بِجِلْدَيْنِ، وَغَيْرُ الْمَدْبُوغِ مُحْتَرَمٌ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُوم، وَلِهَذَا يُؤْكَلُ مَعَ الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ دُسُومَةٌ تَمْنَعُ التَّنْشِيفَ أَوْ نَجَسٌ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ‏.‏ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ‏:‏ يَجُوزُ بِهِمَا‏.‏ وَالثَّالِث وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ‏:‏ لَا يَجُوزُ بِهِمَا، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ إذَا اسْتَنْجَى بِهِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا جَازَ إذْ لَا دُسُومَةَ فِيهِ وَلَيْسَ بِطَعَامٍ، وَشَمِلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفُ جِلْدَ الْحُوتِ الْكَبِيرِ الْجَافِّ فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ‏:‏ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَدْبُوغِ بَعِيدٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمُ الْمَنْعِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُحْتَرَمِ فَيَقُولُ فَيَمْتَنِعُ بِجِلْدٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ دُونَ كُلِّ مَدْبُوغٍ طَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنَّ كَلَامَهُ الْآنَ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ فَلَا خَبَرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى ‏"‏ كُلُّ ‏"‏ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ فَيَكُونُ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ قَسِيمًا لِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ إلَخْ فَيَكُونُ غَيْرَهُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ بَعْضٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَجْرُورًا كَمَا قَدَّرْتُهُ أَيْضًا عَطْفًا عَلَى جَامِدٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَمِنْهُ جِلْدٌ دُبِغَ أَيْ مِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْجَامِدِ جِلْدٌ دُبِغَ دُونَ جِلْدٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ طَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

يَجُوزُ التَّدَلُّكُ وَغَسْلُ الْأَيْدِي بِالنُّخَالَةِ وَدَقِيقِ الْبَاقِلَاءِ وَنَحْوِهِ ‏(‏وَشَرْطُ الْحَجَرِ‏)‏ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لَأَنْ يُجْزِئَ ‏(‏أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجِسُ‏)‏ الْخَارِجُ فَإِنْ جَفَّ تَعَيَّنَ الْمَاءُ، نَعَمْ لَوْ بَالَ ثَانِيًا بَعْدَ جَفَافِ بَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَوَصَلَ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ كَفَى فِيهِ الْحَجَرُ، وَالْغَائِطُ الْمَائِعُ كَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏لَا يَنْتَقِلَ‏)‏ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ، فَإِنْ انْتَقَلَ عَنْهُ بِأَنْ انْفَصَلَ عَنْهُ تَعَيَّنَ فِي الْمُنْفَصِلِ الْمَاءُ، وَأَمَّا الْمُتَّصِلُ بِالْمَحَلِّ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏لَا يَطْرَأَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏أَجْنَبِيٌّ‏)‏ نَجِسًا كَانَ أَوْ طَاهِرًا رَطْبًا وَلَوْ بَلَّلَ الْحَجَرَ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ‏.‏ أَمَّا الْجَافُّ الطَّاهِرُ فَلَا يُؤَثِّرُ وَهُوَ مَا احْتَرَزَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ نَجِسٌ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ، نَعَمْ الْبَلَلُ بِعَرَقِ الْمَحَلِّ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ الْمَذْكُورُ مِنْ فَرْجٍ مُعْتَادٍ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْخَارِجِ بِالْفَصْدِ وَلَا فِي مُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَصْلِيُّ مُنْسَدًّا أَيْ إذَا كَانَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَا فِي بَوْلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ آلَةٌ فَقَطْ لَا تُشْبِهُ آلَةَ الرِّجَالِ وَلَا آلَةَ النِّسَاءِ أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ فِيهَا، وَلَا فِي بَوْلِ ثَيِّبٍ تَيَقَّنَتْهُ دَخَلَ مَدْخَلَ الذَّكَرِ لِانْتِشَارِهِ عَنْ مَخْرَجِهِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ تَمْنَعُ نُزُولَ الْبَوْلِ إلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ، وَلَا فِي بَوْلِ الْأَقْلَفِ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْجِلْدَةِ، وَيُجْزِئُ فِي دَمِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَعَجَزَتْ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ ثُمَّ تَيَمَّمَتْ لِنَحْوِ مَرَضٍ فَإِنَّهَا تُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا ‏(‏وَلَوْ نَدَرَ‏)‏ الْخَارِجُ كَالدَّمِ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ ‏(‏أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ‏)‏ أَيْ عَادَةِ النَّاسِ، وَقِيلَ‏:‏ عَادَةِ نَفْسِهِ ‏(‏وَلَمْ يُجَاوِزْ‏)‏ فِي الْغَائِطِ ‏(‏صَفْحَتَهُ‏)‏ وَهُوَ مَا انْضَمَّ مِنْ الْأَلْيَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ ‏(‏وَحَشَفَتَهُ‏)‏ وَهِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ أَوْ قَدْرُهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْبَوْلِ ‏(‏جَازَ الْحَجَرُ‏)‏ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ فِي ذَلِكَ، أَمَّا النَّادِرُ فَلِأَنَّ انْقِسَامَ الْخَارِجِ إلَى مُعْتَادٍ وَنَادِرٍ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْمَخْرَجِ‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْحَجَرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ فِيهِ الْبَلْوَى فَلَا يُلْتَحَقُ بِهِ غَيْرُهُ‏.‏ وَأَمَّا الْمُنْتَشِرُ فَوْقَ الْعَادَةِ فَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَلِمَا صَحَّ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلُوا التَّمْرَ لَمَّا هَاجَرُوا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَتَهُمْ وَهُوَ مِمَّا يُرِقُّ الْبُطُونَ، وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ انْتَشَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالصَّفْحَةِ وَالْحَشَفَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، فَإِنْ جَاوَزَ الْخَارِجُ مَا ذُكِرَ مَعَ الِاتِّصَالِ لَمْ يَجُزْ الْحَجَرُ لَا فِي الْمُجَاوِزِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لِخُرُوجِهِ عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِيُجْزِئَ أَمْرَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ‏)‏ بِفَتْحِ السِّينِ جَمْعُ مَسْحَةٍ بِسُكُونِهَا بِأَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ جَمِيعَ الْمَحَلِّ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ ‏(‏بِأَطْرَافِ حَجَرٍ‏)‏ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ ‏(‏نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ‏)‏ وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ حَجَرٍ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ لَا يَكْفِي حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ عَنْ ثَلَاثِ رَمَيَاتٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ عَدَدُ الرَّمْيِ وَهُنَا عَدَدُ الْمَسَحَاتِ، وَلَوْ غُسِلَ الْحَجَرُ وَجَفَّ جَازَ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيًا كَدَوَاءٍ دُبِغَ بِهِ وَتُرَابٍ اُسْتُعْمِلَ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ نَحْوِ الْكَلْبِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ التُّرَابُ الْمَذْكُورُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَكْفِي ثَانِيًا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ الْمَانِعَ وَإِنَّمَا أَزَالَهُ الْمَاءُ بِشَرْطِ مَزْجِهِ بِالتُّرَابِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إنْ كَانَ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا فَلَا لِتَنَجُّسِهِ فَاسْتَفِدْهَا فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ‏.‏ ثَانِيهِمَا إنْقَاءُ الْمَحَلِّ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُنْقِ‏)‏ بِالثَّلَاثِ ‏(‏وَجَبَ الْإِنْقَاءُ‏)‏ بِرَابِعٍ فَأَكْثَرَ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَذَفِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ ‏(‏وَسُنَّ‏)‏ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِوِتْرٍ ‏(‏الْإِيتَارُ‏)‏ بِالْمُثَنَّاةِ بِوَاحِدَةٍ كَأَنْ حَصَلَ بِرَابِعَةٍ فَيَأْتِي بِخَامِسَةٍ وَهَكَذَا لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا‏)‏ وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَهِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ‏)‏ ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ وَاجِبٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ شَاذٌّ ‏(‏وَ‏)‏ سُنَّ ‏(‏كُلُّ حَجَرٍ‏)‏ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ ‏(‏لِكُلِّ مَحَلِّهِ‏)‏ أَيْ الْخَارِجِ فَيُسَنُّ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الدُّبُرِ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ أَوْ نَحْوَهُ عَلَى مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ قُرْبَ النَّجَاسَةِ، وَأَنْ يُدِيرَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَرْفَعَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ جُزْءًا مِنْهَا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ، وَأَنْ يَعْكِسَ الثَّانِيَ كَذَلِكَ، وَأَنْ يُمِرَّ الثَّالِثَ عَلَى الصَّفْحَتَيْنِ وَالْمَسْرُبَةِ وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَبِضَمِّ الْمِيمِ مَجْرَى الْغَائِطِ ‏(‏وَقِيلَ يُوَزَّعْنَ‏)‏ أَيْ الثَّلَاثُ ‏(‏لِجَانِبَيْهِ وَالْوَسَطِ‏)‏ فَيَجْعَلُ وَاحِدًا لِلْيُمْنَى وَآخَرَ لِلْيُسْرَى، وَالثَّالِثُ لِلْوَسَطِ‏.‏ وَقِيلَ وَاحِدًا لِلْوَسَطِ مُقْبِلًا وَآخَرَ لَهُ مُدْبِرًا وَيُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ لَا فِي الْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَا بُدَّ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ الْمَحَلِّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ لِيَصْدُقَ أَنَّهُ مَسَحَهُ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ‏.‏ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعُمَّ بِالْمَسْحَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَحَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بَلْ يَكْفِي مَسْحُهُ لِصَفْحَةٍ وَأُخْرَى لِأُخْرَى‏.‏ وَالثَّالِثَةُ لِلْمَسْرُبَةِ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ غَلَّطَ الْأَصْحَابَ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَائِلُهُ مِنْ حَيْثُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا لَا يَعُمُّ الْمَحَلَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ لَا مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ، وَلِلْمَسْحَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الْكَيْفِيَّةِ حُكْمُ الثَّالِثَةِ، وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ ‏"‏ كُلُّ حَجَرٍ ‏"‏ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ‏"‏ الْإِيتَارُ ‏"‏ تَبِعْتُ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ تَقْدِيرُهُ وَسُنَّ الْإِيتَارُ، وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ حَجَرٍ إلَخْ‏.‏ قَالَ فَتَسْتَفِيدُ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَلَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّرِ ا هـ‏.‏ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ أَيْ يَجِبُ ذَلِكَ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ النَّقِيبِ‏.‏ قَالَ‏:‏ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنَّ التَّعْمِيمَ سُنَّةٌ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ‏.‏ وَيَنْدَفِعُ بِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَيُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ‏)‏ بِمَاءٍ أَوْ نَحْوِ حَجَرٍ ‏(‏بِيَسَارِهِ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّهَا الْأَلْيَقُ بِذَلِكَ، وَيُكْرَهُ بِالْيَمِينِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ‏:‏ ‏(‏نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ‏)‏ وَقَوْلُ الْمُهَذَّبِ وَالْكَافِي إنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ فِيهِ أَوَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ يَقَعُ بِمَا فِي الْيَمِينِ لَا بِالْيَدِ فَلَا مَعْصِيَةَ فِي الرُّخْصَةِ ا هـ‏.‏ ‏.‏ أَوْ يُقَالُ‏:‏ إنَّ الْمُرَادَ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ، وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْقُبُلِ عَلَى الدُّبُرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ عَكْسُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِيَمِينِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَأْخُذَ الْحَجَرَ بِيَسَارِهِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَصُبُّهُ بِيَمِينِهِ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَيَأْخُذُ بِهَا ذَكَرَهُ إنْ مَسَحَ الْبَوْلَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ حَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا جَعَلَهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ بَيْنَ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَضَعَهُ فِي يَمِينِهِ وَيَضَعُ الذَّكَرَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَضْعًا لِتَنْتَقِلَ الْبَلَّةُ، وَفِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ مَسْحًا، وَيُحَرِّكُ يَسَارَهُ وَحْدَهَا، فَإِنْ حَرَّكَ الْيَمِينَ أَوْ حَرَّكَهُمَا كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْيَمِينِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضَعْ الْحَجَرَ فِي يَسَارِهِ وَالذَّكَرَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ بِهَا مَكْرُوهٌ، وَشَرَطَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ لَا يَمْسَحَ ذَكَرَهُ فِي الْجِدَارِ صُعُودًا‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَفِي هَذَا التَّفْصِيلُ نَظَرٌ ا هـ‏.‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ‏.‏ وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ فَتَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَسَارِهَا إنْ كَانَ صَغِيرًا وَتَمْسَحُهُ ثَلَاثًا وَإِلَّا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ فِيمَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ أَنْ يَضَعَهُ أَوَّلًا عَلَى مَكَان طَاهِرٍ قُرْبَ النَّجَاسَةِ وَأَنْ يُدِيرَهُ بِرِفْقٍ، فَإِنْ أَمَرَّ الْحَجَرَ وَلَمْ يُدِرْهُ وَلَمْ يَنْقُلْ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ نَقَلَ مَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ تَعَيَّنَ الْمَاءُ‏.‏ أَمَّا الْقَدْرُ الْمَضْرُورُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَيُعْفَى عَنْهُ، وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى الْحَجَرِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لِيَعْلَمَ هَلْ قَلَعَ أَوْ لَا، وَلِلْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ أَنْ يُدَلِّكَ يَدَهُ بِنَحْوِ أَرْضٍ ثُمَّ يَغْسِلُهَا بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَأَنْ يَنْضَحَ بَعْدَهُ أَيْضًا فَرْجَهُ وَإِزَارَهُ مِنْ دَاخِلِهِ دَفْعًا لِلْوَسْوَاسِ، وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي غَسْلِ الدُّبُرِ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْبَاطِنِ وَهُوَ مَا لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْبَعُ الْوَسْوَاسِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْبِكْرِ أَنْ تُدْخِلَ أُصْبُعَهَا فِي الثُّقْبِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ فَتَغْسِلَهُ ‏(‏وَلَا اسْتِنْجَاءَ لِدُودٍ وَبَعَرٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْعَيْنِ ‏(‏بِلَا لَوْثٍ‏)‏ أَيْ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا‏.‏ وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ خَفِيَتْ‏.‏ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَجَمَعَ بَيْنَ الدُّودِ وَالْبَعْرِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

الْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضُرُّ شَمُّ رِيحِهَا بِيَدِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى الْمَحَلِّ وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَى يَدِهِ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ مَحَلَّ الرِّيحِ بَاطِنُ الْأُصْبُعِ الَّذِي كَانَ مُلَاصِقًا لِلْمَحَلِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فِي جَوَانِبِهِ فَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ أَوْ أَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ قَدْ خَفَّفَ فِيهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فَخَفَّفَ فِيهِ هُنَا فَاكْتَفَى بِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَهَلْ يُسَنُّ شَمُّ الْيَدِ أَوْ لَا ‏؟‏ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ رَائِحَتَهَا هَلْ تَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَحَلِّ أَوْ لَا، إنْ قُلْنَا تَدُلُّ اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، فَقَدْ نَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ النَّوْمِ وَالرِّيحِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَهَذَا مَرْدُودٌ، فَقَدْ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ‏:‏ إنْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ بِتَأْثِيمِ فَاعِلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَنَطُّعٌ وَعَدْوٌ‏.‏ وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ ‏.‏ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ‏:‏ يَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِ الِاسْتِنْجَاءِ‏:‏ اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ النِّفَاقِ وَحَصِّنْ فَرْجِي مِنْ الْفَوَاحِشِ‏.‏